سياسية

فاز دونالد ترامب لمرة ثانية، وماذا بعد؟

"إن الولايات المتحدة على وشك أن تصبح بلدا مختلفا"

لقد فاز الجمهوري دونالد ترامب، و سيصبح رئيساً للولايات المتحدة للمرة الثانية، و سوف يحتفل أولئك الذين صوتوا له الآن بانتصارهم، و يتعين على البقية، أن يستعدوا للعيش في أميركا مختلفة، حيث البلد الذي صوت فيه الملايين من مواطنينا لصالح رئيس يروج عن عِلم (للكراهية والانقسام)، و يكذب ــ بشكل صارخ و بلا خجل ــ في كل مرة يظهر فيها في الأماكن العامة؛ و الذي خَطط لقلب نتائج الإنتخابات في عام 2020، ولو لم يفز، لكان يُخطط بنفس الطريقة في هذا العام، عام الإنتخابات الرئاسية 2024.

وفوق كل هذا، يتعين على الأخرين، أن يتعلموا كيف يعيشوا في أميركا، حيث أختار عدد هائل من المواطنين الأمريكيين رئيساً يحمل إزدراءاً كبيراً (للقيم والتقاليد الأساسية للديمقراطية، الدستور، وحتى الجيش).

us-2024-2


على مدى العقد الماضي، أظهرت إستطلاعات الرأي تراجع ثقة الأميركيين في مؤسساتهم، ولكن لا يوجد إستطلاع رأي يمكن أن يجعل هذا التحول في القيم أكثر وضوحا من هذا التصويت، ونتيجة لهذه الإنتخابات، سوف تصبح الولايات المتحدة بلداً مختلفا.

عندما كان رئيسا للولايات المتحدة آخر مرة، تجاهل الرئيس المُنتخب (دونالد ترامب) المبادئ الأخلاقية و الأمنية، وطرد المفتشين العامين وغيرهم من المراقبين، وسرب معلومات سرية، و أستخدم وزارة الأمن الداخلي في صيف عام 2020 كما لو كانت وزارة الداخلية لدولة إستبدادية، ونشر قوات الگمارگ، حماية الحدود وخفر السواحل الأمريكية في المدن الأمريكية، و شجع بنشاط تمرد يوم 6 كانون الثاني/ يناير 2021، في مبنى الكونغرس، عندما غادر البيت الأبيض، سرق وثائق سرية وأخفاها عن مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI (*فعل جو بايدن نفس الأمر).

نظرًا لأن تكتل كبير من الأمريكيين لا تزعجهم تلك القائمة من التجاوزات، و التي كان أي منها ليدمر مسيرة سياسي آخر، سيحاول دونالد ترامب و نائبه المُنتخب، جيه دي فانس J. D. Vance – James David Vance، الآن تحويل الحكومة الفيدرالية إلى آلة ولاء تخدم مصالحهم ومصالح أصدقائه.

هذا هو جوهر مشروع مؤسسة التراث 2025، أو مشروع 2025، Heritage Foundation’s Project، وسيسعى مهندسوه، وهم جميعًا من أنصار دونالد ترامب، الآن إلى جعله حقيقة.

لا شك أن دونالد ترامب سيحاول مرة أخرى تفكيك الخدمة المدنية الأميركية، و إستبدال العلماء المؤهلين والهيئات التنظيمية بعناصر حزبية، وسوف يساعده حلفاؤه في بناء وزارة عدل لا تخدم الدستور، بل تركز بدلا من ذلك على مضايقة ومعاقبة أعداء دونالد ترامب، وقد تحدث في الماضي عن إستخدام لجنة الإتصالات الفيدرالية ودائرة الإيرادات الداخلية لمعاقبة المنظمات الإعلامية، وأي شخص آخر يعارضه، والآن ستكون لديه الفرصة للمحاولة.

ربما يكون الخطر الأعظم والأكثر غدراً ليس القمع السياسي أو المضايقة، بل الفساد، حيث أعتدى الشعبويون المستبدون في جميع أنحاء العالم – في المجر، تركيا وفنزويلا – على المؤسسات المُصممة لتوفير المساءلة والشفافية من أجل تحويل الأموال والنفوذ إلى أصدقائهم وعائلاتهم، وقد يحدث هذا في أميركا كذلك!

هذا ليس مجرد تهديد نظري، حيث مع إستيلاء الموالين لدونالد ترامب على الهيئات التنظيمية، وملء ليس فقط الوظائف السياسية ولكن الوظائف المدنية السابقة، ستصبح سماء أميركا أكثر تلوثا، والطعام الأميركي أكثر خطورة، ونتيجة لهذا التحول الهائل في الثقافة البيروقراطية في البلاد، سوف تزدهر الشركات المُرتبطة بدونالد ترامب، حتى مع تحول أمريكا إلى بلد أقل أمانا للمستهلكين، للعمال، للأطفال، وللجميع!

كما ستعكس السياسة الخارجية الأمريكية هذا التحول نحو (حكم اللصوص)، حيث في ولاية دونالد ترامب الأولى، أساء إستخدام سلطات منصبه، فأفسد السياسة الخارجية الأمريكية لتحقيق مكاسب شخصية، حيث ضغط على الرئيس الأوكراني لإطلاق تحقيق وهمي مع خصمه السياسي؛ وغير السياسة تجاه تركيا وقطر ودول أخرى بطرق تناسب مصالحه التجارية؛

حتى أنه أستخدم الخدمة السرية لتوجيه أموال الحكومة إلى ممتلكاته الخاصة، وفي فترة ولايته الثانية، سيكون لديه والأشخاص من حوله، كل الحوافز للذهاب إلى أبعد من ذلك بكثير، حيث يتوقع منهم إستخدام السياسة الخارجية الأمريكية والقوة العسكرية لتعزيز أهدافهم الشخصية والسياسية.

هناك العديد من الأشياء التي لا يستطيع الرئيس دونالد ترامب المُعاد إنتخابه القيام بها، ولكن هناك بعض الأشياء التي يمكنه القيام بها.

مثلا، يمكنه قطع المساعدات عن أوكرانيا، حيث لدى إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن ثلاثة أشهر فقط، قبل تسلم دونالد ترامب، جميع التدابير للإسراع بإرسال الإمدادات إلى أوكرانيا قبل أن يجبر الرئيس القادم، أوكرانيا على الاستسلام لروسيا، وإذا كان هناك أي شيء في الترسانة الأميركية قد تستخدمه أوكرانيا بنجاح ــ بخلاف الأسلحة النووية ــ فعلى جو بايدن أن يرسله الآن، قبل فوات الأوان.

شيء آخر يستطيع دونالد رامب أن يفعله، وهو فرض المزيد من التعريفات الگمرگية ــ وتكثيف حرب تجارية عالمية ليس فقط ضد الصين، بل ضد الأصدقاء والشركاء والحلفاء السابقين، وسوف تكون “أميركا أولا”، هي “أميركا لوحدها”، ولن تكون “مدينة على تل” كما وصفها رونالد ريغان، بل مجرد قوة عظمى أخرى تحركها القَومية الشرسة.

في مُختلف أنحاء العالم، سوف يتبع الساسة “غير الليبراليين” الذين يسعون إلى تقويض ديمقراطياتهم، مسار القيادة الأميركية، وفي غياب الخوف من الانتقادات الأميركية أو ردود الفعل، نتوقع أن تنمو المضايقات التي تتعرض لها الصحافة والمعارضون السياسيون في بلدان مثل المكسيك وتركيا.

نتوقع أن ينتشر الغش الانتخابي المدعوم من روسيا، و الذي ظهر مؤخرا في جورجيا ومولدوفا، ونتوقع الخطاب العنيف في كل ديمقراطية: فإذا تمكن الرئيس الأميركي من الإفلات من العقاب، فسوف يستنتج آخرون أنهم قادرون على ذلك كذلك!

في الوقت نفسه، سوف يحتفل العالم الإستبدادي بانتصار شخص يتردد صدى ازدرائه لسيادة القانون ويطابقه، ويمكنهم أن يفترضوا أن دونالد ترامب نائبه، لن يعززا مسار “حقوق الإنسان”، ولن يهتما بـ “القانون الدولي”، ولن يعززا تحالفاتنا الديمقراطية في أوروبا وآسيا.

ولكن التغييرات الأكثر صعوبة وإيلاما هي تلك التي ستحدث الآن في أعماق مجتمعنا، حيث إن تطرف جزء من المعسكر المناهض لدونالد ترامب أمر لا مفر منه، حيث يبدأ الناس في فهم أن القضايا الوجودية، مثل (تغير المناخ والعنف المسلح)، لن يتم معالجتها.

سوف تجري عملية موازية على الجانب الآخر من الطيف السياسي، حيث تستعيد (الميليشيات اليمينية، والعنصريون البيض، وأنصار نظرية المؤامرة)، نشاطهم بإنتخاب الرجل الذي تعلموا على مدى ثماني سنوات تقليد سلوكه!

سوف تتعمق الفجوات العميقة داخل أميركا، وسوف تصبح السياسة أكثر غضبا، ولقد فاز دونالد ترمب بخلق الإنقسام والكراهية، وسوف يستمر في القيام بذلك طوال فترة ولايته الثانية العاصفة بالتأكيد.

نشأ جيلي (جيل صاحب المقال) على الإعتقاد بأن أميركا يمكن الإعتماد عليها دائما للقيام بالشيء الصحيح، حتى لو كان متأخرا، مثلا (رفض انعزالية أميركا، والانضمام إلى القتال ضد النازية، تمويل خطة مارشال لوقف المد الشيوعي، وتوسيع وعد الديمقراطية لجميع الناس، بغض النظر عن العرق أو الجنس).

ولكن، ربما كان هذا الاعتقاد صحيحا فقط لفترة محددة، لحظة فريدة من نوعها، و كانت هناك العديد من فصول التاريخ التي فعلت فيها أميركا الشيء الخطأ لسنوات أو عقود، و ربما نعيش مثل هذه الفترة الآن.

ولكن، هل من الممكن أن تكون الحقيقة هي أن الديمقراطية دائماً ما تكون مُتقاربة النتائج، ودائماً ما تكون في حالة من التنافس!

إذا كان الأمر كذلك، فلابد وأن نجد نحن كذلك ــ كما تعلم الناس في الديمقراطيات الفاشلة الأخرى ــ سبلاً جديدة للدفاع عن المؤسسات المتعثرة والأفكار المهددة، وبالنسبة لأنصار التجربة الأميركية في الديمقراطية الليبرالية، فإن الأمل الوحيد، هو التعليم والتنظيم وإنشاء تحالف من الناس المُكرسين للدفاع عن روح الدستور، ومُثُل المؤسسين، وحلم الحرية.

وبشكل أكثر تحديداً: حملات التعليم المدني العام لتحل محل الدروس التي لم تعد تُدرَّس في المدارس؛ وفِرَق المحامين القادرين على النضال من أجل سيادة القانون في المحاكم؛ والتنظيم الشعبي، وخاصة في المناطق الريفية والبلدات الصغيرة في أميركا، والمواطنون والصحافيون الذين يعملون على فضح ومحاربة الموجة الهائلة من حكم اللصوص والفساد التي ستبتلع نظامنا السياسي الآن.

وسوف يميل العديد من أولئك الذين حطمتهم هذه النتيجة إلى الإنكفاء إلى السلبية ــ أو الارتداد إلى التطرف التمثيلي. ولنرفض كليهما، و يتعين علينا أن نركز، بدلا من ذلك، على كيفية إستعادة عدد كاف من هؤلاء الأميركيين الذين صوتوا لمرشح أساء إلى مؤسسات هذه الأمة ومثلها العليا، إلى قضية الديمقراطية الليبرالية.

(ترجمة بتصرف، عن مقال لـ David Frum، في The Atlantic
7-11-2024 )

أقرأ المزيد

المقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

عذراً، لايمكن نسخ المحتويات